recent
أبحر معنا

ما هو الأدب التفاعلي؟


مداخلة: الأدب التفاعلي المفهوم والأجناس

 د.حمزة قريرة- جامعة قاصدي مرباح - ورقلة- الجزائر.
انطلاقا من المفهوم العام للأدب في اعتباره التعبير اللغوي الأرقى على كل ما يتعلّق بالإنسان من قضايا سواء على مستوى ذاته أو علاقاته بمحيطه، فهو جد مهم في ترجمة حياة الإنسان وحفظها في نصوص لغوية، وقد طوّر الإنسان أساليبه في التعبير الأدبي عبر مسيرته الطويلة فانتقل من الشفاهية إلى الورقية/الكتابة، وهو الآن في عصر الرقمنة ينتقل إلى مرحلة جديدة ومختلفة، ليُحدث تحوّلا جديدا نحو وسيط أكثر تطوّرا وخلقا في العملية الإبداعية، إنه الوسيط الإلكتروني ممثلا في جهاز الحاسوب ومتعلقاته من برمجيات، وما توفّره الشبكة العنكبوتية لهذا الجهاز بوصله بالعالم وتزويده بقنوات يقدّم من خلالها منتوجه، فقد تحوّل لأهم أداة عالمية لتسريع الزمن وقطع المسافات المكانية بلمح البصر مما جعل التواصل أبسط وأيسر ولم تعد المعلومة حكرا على أحد، ونظرا لهذه الميزات الإيجابية لم يبق تخصص أو علم أو مجال إلا ودخل عالم الرقمنة لما تضمنه من انتشار وتعدّد، والأدب كغيره من التخصصات حاول استثمار هذه التقنيات لصالح انتشار وتلق أوسع، فجاء ما عُرف بالأدب التفاعلي، مستفيدا من مختلف الصياغات التي ظهرت في النص الشبكي  والمتفرع بنسقيه السلبي والإيجابي الذي يمنح المتلقي فرصة المشاركة في بناء النص[1]، وعبر هذه النصوص الرقمية ذات الوجود الافتراضي برز أدب من نوع خاص سواء في بنائه أو جماليته أو تلقيه، إنه أدب فريد، حيث ينتج عند أديب متميّز عما عهدناه في الإبداع الورقي إنه تكنولوجي بامتياز يزاوج بين التقنية والأدب، فيؤسس نصه بكيفيات متعدّدة مستفيدا من الروابط التشعّبيّة والمتفرّعة التي تنفتح بها التعددية النصية، كما تتيح للمتلقي خيارات كثيرة لاستعراض النص وقراءته[2]، بهذا فالأديب في هذا المجال الإبداعي الرقمي يستثمر كل الطاقات التي تمنحها التكنولوجيا لتقديم إبداعه أيا كان جنسه، بهذا فالأدب التفاعلي هو "الأدب الذي يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد، يجمع بين الأدبية والإلكترونية، ولا يمكن أن يتأتى لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني"[3]، مما يتيح له الخروج عن البعْد اللغوي مستثمرا كل الطاقات التعبيرية والرمزية في العلامات غير اللغوية كالصور والأصوات والألوان وغيرها مما تتيحه الوسائل الرقمية كمساند للنص اللغوي وأحيانا كعنصر رئيس في النص/العرض المقدّم خصوصا مع الأجناس التصويرية كالرواية والمسرحية، بهذا فالأدب التفاعلي هو في جوهره أدب لكنه متّحد بالتقنيات الرقمية لهذا تعد الإبداعات الأدبية التفاعلية هي "التي تولّدت مع توظيف الحاسوب، ولم تكن موجودة قبل ذلك، أو تطورت من أشكال قديمة، ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في الإنتاج والتلقي"[4]، وعبر هذا الاتحاد يزيد هذا النوع من الأدب من قوته التأثيرية وانتشاره كما يضيف أبعادا جمالية أخرى يكتشفها المتلقي عبر مشاركته الفاعلة في العمل. وعليه فمفهوم وحدود هذا الأدب تُظهر أنه ينتج عن حالة تفاعلية وليس مجرّد إنتاج من طرف واحد وهنا تكمن خصوصيته، في أنه يُشرك المتلقي في عملية البناء، إضافة إلى شرط تلقيه عبر الحاسوب دون غيره وهذه الميزة تمنحه التعدد والانفتاح غير المشروط، وعليه يمكن التمييز بين عدة ضوابط وشروط عامة للأدب التفاعلي ومنها:
-أن يحرر مبدعه من الصورة النمطية التقليدية في التأليف، وتقديم عناصر النص وفق تلك العلاقات.
-أن يعترف بدور المتلقي المحوري في بناء النص. [5]
      وعبر هذه الشروط وغيرها ينتج أدبا تفاعليا يمتاز بميزات خاصة تجعله متفرّدا مقارنة بغيره من النصوص وفق وسائط أخرى، فمن ميزاته:
-       هو نص مفتوح وبلا حدود ولا ضوابط تقيّد انتشاره وجنسه (إلا في حدود الدراسة).
-       منحه المتلقي إحساس الملكية للنص، فلم يعد مجرّد مستهلك.
-       نزْعه الفرادة على المبدع الأول للنص، فقد أصبح النص ملكا جماعيا ومشاعا بين المتلقين، كلهم يساهم فيه حسب توجهه ومرجعيته وقدراته.
-       لا يعترف بالبدايات والنهايات فهو نص مفتوح وعابر للزمن ومتعدد الخيارات القرائية.
-       تتعدّد صور التفاعل في هذا النص خلافا للنص التقليدي بسبب تعدد تشكيلاته وبناه التي يُقدّم بها إلى المتلقي. [6]
عبر هذه الميزات يُصبح الأدب التفاعلي أدبا موغلا في التجريب وأداة مهمة للتعرّف عن الآليات التي يتبعها المبدع أثناء إنتاجه العمل الأدبي، لكوْن النص في هذا النمط يتم إنتاجه آنيا (في الكثير من الأحيان) فيُمكن للدارس تتبّع العملية الإبداعية في لحظة تشكّلها، وهذا أمر بالغ الأهمية في نظرية الإبداع.
أما عن أجناس الأدب التفاعلي فهي تتوافق مع الأجناس الأدبية في الأدب الورقي مع اختلاف في الخصائص، فنجد الشعر/القصيدة التفاعلية، والرواية والقصة والمسرحية وكلها مرتبطة بالوسيط الإلكتروني، فلا يمكن لهذا الأدب أن يتأتى للمتلقي عبر الوسيط الورقي[7]، فعبر مختلف أجناسه يحاول التأسيس لعلاقة افتراضية مع متلقيه ويمنحهم فرصة المشاركة والتفاعل معه، فمثلا نجد القصيدة التفاعلية التي تعد شكلا من أشكال إبداع الشعر في عصر الأنفوميديا عصر المعلوماتية، عصر الثقافة التكنولوجية[8]، وعبر الوسيط الرقمي يتم تقديمها بكيفيات مختلفة حيث يشارك فيها المتلقي سواء في عملية بنائها أو قراءتها الحرة حيث تمنحه الروابط الدخول فيها من أي مرحلة شاء. كما تبرز من الأجناس الأدبية التفاعلية الرواية التفاعلية التي تعد "نمطا من الفن الروائي، يقوم فيه المؤلف بتوظيف الخصائص التي تتيحها تقنية (النص المتفرّع) والتي تسمح بالربط بين النصوص سواء أكانت نصا كتابيا، أم صورا ثابتة أو متحرّكة، أم أصواتا حية....باستخدام وصلات تكون دائما باللون الأزرق، وتقود إلى ما يمكن اعتباره هامشا على متن"[9]، بهذا فالرواية التفاعلية لا تسير وفق المسار الخطي الأحادي الاتجاه كما في الورقية بل تتخذ لها مسارات كثيرة حسب الوصلات ورغبة المتلقي، كما تُشرك جوانب أخرى غير لغوية في متنها كالأصوات والصور والخرائط وغيرها مما يساهم في إثرائها بمسارات جديدة للقراءة، كما يزيدها بعْدا جماليا إضافيا...إضافة لما تقدّم تبرز المسرحية التفاعلية كجنس جديد استفاد من هذه التقنيات والثورة المعلوماتية ليقّدم ذاته في تخلّق مختلف ووفق آليات أكثر تعقيدا من مختلف الأجناس الأخرى، فهي جميعا وسيطها التقليدي الورق لهذا لم تجد إشكالا كبيرا في تحوّلها إلى الرقمية، لكن المسرحية في وجودها تعد نصا وعرضا وتفاعلا مع الجمهور وهذه الخصائص صعّبت دخولها لعالم التفاعل الرقمي. فهي لا تعدوا في مفهومها العام "نمطا جديدا من الكتابة الأدبية، يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الإبداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد، إذ يشترك في تقديمه عدّة كتاب، كما قد يدعى المتلقي/المستخدم أيضا للمشاركة فيه، وهو مثال للعمل الجماعي المنتج، الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح على آفاق الجماعية الرحبة"[10]، بهذا تقدّم المسرحية التفاعلية ذاتها كنص وعرض عبر الوسيط الإلكتروني مشركة كل المتلقين في بنائها وتوجيه شخوصها، وهو ما يطرح عدة إشكالات في ذلك، على رأسها طبيعة البناء وكيفياته، وحدود التجريب في ذلك، وكيف يتم تكييف التقنية والبرمجيات لاستيعاب هذا التعدّد، إضافة لطبيعة المتلقين ومستوياتهم المختلفة في حال إشراكهم في العمل، وغيرها من القضايا... إضافة لهذه الأجناس الأدبية التفاعلية الأكثر شهرة يمكن إلحاق أشكال أخرى يمكنها استثمار الرقمنة والوسائط المتعددة في تقديم نصوص تفاعلية تنمح المتلقى فضاء واسعا للمشاركة، ومن هذه الأجناس أذكر الفيلم التفاعلي وهو ما سأقدّم تجربة عنه في هذه المدونة، والمقامة التفاعلية والأدب الشعبي التفاعلي وغيرها من الأجدناس التي لا تقف أمام حدود المبدع لتجعل من الجميع مشارك في إنتاج النص وتلقيه محققة بذلك مبدأ القضاء على مركزية صاحب النص أمام التعدد الإبداعي...

مواقع مراجع في الأدب التفاعلي:



[1] ينظر، فاطمة البريكي، مدخل على الأدب التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت /لبنان، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2006م، ص 22، ص23.
[2]  رحمن غركان، القصيدة التفاعلية، في الشعرية العربية، تنظير وإجراء، دار الينابيع، سوريا، ص 25.
[3] فاطمة البريكي، مدخل على الأدب التفاعلي، ص 49.
[4]  سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت/لبنان، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2005م، ص 09، ص 10.
[5] ينظر، فاطمة البريكي، مدخل على الأدب التفاعلي، ص 50.
[6] ينظر، المرجع نفسه، ص 50، ص53.
[7] ينظر، المرجع نفسه، ص 73.
[8]  ينظر، رحمن غركان، القصيدة التفاعلية، ص 29.
[9] ينظر، فاطمة البريكي، مدخل على الأدب التفاعلي، ص 112.
 [10] ينظر، المرجع نفسه، ص 99.

google-playkhamsatmostaqltradent