recent
أبحر معنا

مسرحية - بلا نظارات الحياة أفضل/ Play - No Glasses Life is Better - اللوحات / Paintings- عناق على حافة الأمل /Hug on The Edge of Hope


 

Play - No Glasses Life is Better -

عناق على حافة الأمل 

Hug on The Edge of Hope

(لوحة مكتوبة) 

 

عناق على حافة الأمل /Hug on the edge of hope
 




صعدَ أخيرا إلى الحافلة المهترئة بخطى متثاقلة، يبدو أنه لا يريد مغادرة الجامعة، لكنه اليوم الأخير، الكل غادر، ككل عام يجتمع الجميع كالنمل وينفضوا وكأنّ شيئا لم يكن، تمْتَم المسكين ببضع جمل غير مفهومة وهو يصعد درج الحافلة... كاد أن يتعثّر ويسقط، لولا أن أمسكتْ بيده، وهي تقول: أخبرتك مرارا أن ترتدي نظارتك، أما زلت لا تريد رؤية العالم من حولك، ستقتل نفسك يوما.

فرد عليها: الموت ليس مخيفا كما يبدو

قالت: اصعد ودعنا من فلسفتك... سائق الباص الأخير سينفجر غضبا.

قال: لمَ ... مازال وقت المغادرة

قالت: أعرف لكنه آخر باص اليوم، وتعلم هناك مباراة الفريق الوطني والكل أمام التلفاز الآن، وهذا المسكين ينتظر المغادرة بفارغ الصبر... اسمع هو يحاول التقاط موجات الإذاعة ... هيا أرجوك..

قال: حسنا ... كرة القدم ؟  لم أفهم لمَ يحبونها ربما لأنني لا أرى جيدا لا أكترث لها... ربما

واصل كلامه وهو متجه إلى المقعد رقم (12) في الحافلة...

ما كاد يجلس حتى انطلق السائق بأقصى سرعة نحو المدينة، وهو يتمتم بجمل تعبّر عن غضبه... لم يلتقط من كلامه غير عبارة: دائما الأحمق الأخير اللعنة ... الماتش.

ابتسم وهو يجلس على مقعده، أخبرتْه أنهما وحيدان في الحافلة مع السائق.

قال: أدركت ذلك فأنا لم أر أطياف الطلبة الكل غادر ...
يعتدل في جلسته ويواصل كلامه: أتعرفين أنّ حب كرة القدم من باب حب ما لا نستطيع إمساكه إلا للَحظات، تلك هي كرة القدم، تتدحرج والكل خلفها، ولا يمكن لأحد الاحتفاظ بها إلا لثوان معدودة، وهو ما يدفع الجميع للنشوة في ملاحقتها، إنها تشبه حال الدنيا التي نعيشها بكل حمولتها.... والمرأة فيها أهم ما يحقق لعبة النشوة. ...
قالت: أخبرتك سابقا أن تترك التفلسف في كل شيء، يبدو أن الفلسفة ( لحست دماغك) وأخبرني عن برنامجك في العطلة... أمْ ستمضي أيامك في حديقة البلدية كالعام الماضي..

قال: ربما، لم أقرر بعد

قالت: ما رأيك أن تأتي معنا ...  

قال: لا أظن... أبوك لا يحبني هههها

قالت: لا تقل هذا هو يخاف أن تخطبني فقط

قال: ومن قال أنا ساخطبك أنت قبيحة أصلا ههها

قالت: اعرف ذلك لا تذكرني...

قال: أنا أمزح معك، أنت أجمل شيء لم أره في حياتي. الوحيدة التي أود ارتداء النظارة عندما أكون معها.... أنت الشيء الوحيد الحقيقي غير المزيّف في عالمنا..

قالت: نعم هكذا عد طبيعتك وتغزّل في حبيبتك.. ههها

بينما هما يتحاوران تكلّم السائق: أريد أن أسألكما لما تتأخران على الدوام.. ماهي الأشياء التي تبقيكما رغم خروج الجميع... كل يوم أنتمت آخر من يخرج.

قال الفتى وهو يبتسم: نقوم بسقي زهور الحديقة... وإغلاق أبواب القسم.

رد السائق بحزم: أنت تسخر مني..

قالت الفتاة: لا ياعم هو يقول الحقيقة، فالماء لا يزور قسمنا إلا في هذا الوقت، وأعوان الحراسة يرفضون سقي الأزهار(مش خدمتهم) أتعرف أن الزهور في كل الأقسام ماتت بسبب تغيير وقت الماء إلا زهور قسمنا بفضلنا نحن بقيت حية وهو مصدر الزهور في كل الجامعة...

ضحك السائق وهو يقول: أنتما غريبان حقا.. إن شاء الله نلحق للمباراة

ما كاد السائق يُكمل الجملة حتى توقف محرك الحافلة .... صار يرتعد ويقول: ما هذا ماذا حدث... أرجوك ليس الآن..

دون جدوى ... توقفت الحافلة في منتصف الطريق... 7 كلم على المدينة... صحراء جرداء على الطريق الوطني... لا سيارات الكل أمام التلفاز.... كل الأفكار دارت في ذهن السائق... استشاط غضبا وركل مقود الحافلة وهو يقول: اللعنة على الفيراي... وعليكما... كله بسببكما..

قال الفتى: ما دخلنا هذا عملك والوقت لم ينته ... يمكنك مشاهدة المباراة مسجّلة..

فرد السائق وهو غاضب: اصمت لا دخل لك بعملي..

فقالت: أرجوك أسكت وإلا تهور وضربنا، فالمباراة تعني الكثير...

التفتتْ إلى السائق وقالت: يمكنك متابعة المباراة على الراديو ... كما يمكنك النزول من الحافلة، ممكن تجد أحد يُقلّك للمدينة....

قال السائق: ممكن فكرة سأنزل ...

قال الفتى وهو يتمتم: سائق أحمق..

قال السائق: ماذا قلت؟

قال الفتى: لا لا شيء قلت قلت السائق محق..

نزل السائق وهو مضطرب... عسى أن يجد سيارة .....

التفت إليه وهو تقول: تخلصنا منه.... ماذا نفعل نحن أمامنا على الأقل ساعة ونصف قبل ظهور أي حافلة متجهة إلى المدينة..

قال: جيد على الأقل أسمع في تسجيلا لبعض المحاضرات...

قالت: ألا تمل الدراسة نحن انهينا الجامعة اليوم... ألا تستغل الوقت في التغزّل بي... فرصة ههه

ضحك منها وهو يقول: أتعرفين أن أفضل الغزل هو النابع من القلب ...

خصوصا إذا ارتديت نظارتي وأنا أراك..

قالت: إذن ارتديها وانظر لي جيدا وقل قصيدة كعادتك....

قال: أنت جميلة وإن لم أرتد نظارة...

قالت: أخبرني ... منذ فترة وأنت لا تحبّذ ارتداء النظارة لماذا تحب الاستتار والانفصال عن العالم... أهو بسبب دراستنا الفلسفة...

قال: لا طبعا العكس الفلسفة علّمتني الكثير... السبب أعمق وأقدم من ذلك...

قالت: أخبرني أرجوك..

قال: لا داعي قصتي كلها مآسي... وقلت لك سابقا لا أريدك أن تعرفي عن ماضيّ غير شذرات...

قالت: ألستُ قريبة منك بما يكفي لتخبرني؟  يجب أن أعرف حكايتك .. أنا إلى الآن لا أعرف غير أنك يتيم، ولا أقرباء لك سوى ذاك الشيخ الذي أخبرتني به وكان يساعدك لما كنت في الثانوي...

قال: أرجوك لا داعي....  

   قالت: بل هناك داع، وها هي فرصة ساعة ونصف وقت المباراة كافية لأعرف حكايتك وسبب عدم ارتدائك النظارة..

قال: لو بقيت معك سنة ونصف لما انتهت حكايتي...

قالت: لا بأس أعطني الخطوط المهمة في رحلتك...

قال: هي فعلا رحلة.... وفيها فضّلت عدم ارتداء النظارة كي لا أرى قُبح العامل وتشوّه القيم.. الكل مزيّف... لا حقيقة مطلقة ولا دلالة نهائية، كل شيء مقوّض، هي رؤية جاك دريدا...

قالت: دعنا من هذا المجنون العدمي.... أنا أريد أن أعرف قصتك طفولتك أين عشت؟ حياتك في صباك أخوتك حكاية والدك..


قالت: أووف لا تقل هذا النساء مختلفات ...

قاطعها قائلا: ربما، لكن في المصلحة المرأة تصبح شيطانا... منذ أن طردني عمي أو بالأحرى زوجة عمي من البيت الذي هو بيت أبي أصلا... همت في الشارع فترة إلى أن استقبلني الشيخ الطيب في أسرته .... دخلت الثانوية وكنت الأول في كل السنوات... كان يكرمني، فلا ولد ذكر لديه... بناته في البداية كُنّ لطيفات لكن بسبب اهتمامه بي صرن يكرهنني، رغم أني كنت من يدرسهن الدعم ويحل كل الوظائف... إيه لا علينا حمدت الله أن جاء وقت الباكالوريا ونجحت، لأخرج من الجحيم الذي كنت فيه.... كنت اسمع زوجته تقول له: عليك أن تطرده كلام الناس.. أنت عندك بنات..

وهو يرد: اتق الله يا امرأة الولد ضرير والكل يشهد له بالنزاهة والخلق..

ترد عليه: ولمَ طرده عمّه إذن واتهم بالسرقة..

يرد عليها بقوة: الجميع يعرف الحقيقة طردوه لأنه الوريث الوحيد لأبيه بعد وفاته، وأرادوا ابعاده ليأخذوا كل الأرض... الجميع يعرف هذا وأنت أيضا، فلا داعي للأعذار.. ثم هو سيجتاز الباكالوريا وأعرف أنه سينتقل إلى الجامعة ولن تريه مرة أخرى...

بكلماته الأخيرة صرت استعجل الزمن... ومنذ نجاحي لم أزره مرة واحده، أخباره تصلني مع بعض الأصدقاء فقط...

قالت: شيخ طيب... لكن ما قصة عمك..

قال: وهو يبتسم قصة تلد أخرى ... جدتي لأبي كانت تفعل ذلك... كانت جميلة جدا رغم أنها عجوز..... قصتها غريبة مع جدي، فقد أحبها حبا شديدا قبل الحرب ثم سافر للحرب، ولما رجع وجد أباها زوجها لرجل آخر ... تعرفين ماذا فعل خطفها وتزوجها مرة أخرى بعد أن أغرى زوجها بحمارين وبضع النخيل (كانت ثروة وقتها) فباعها زوجها بحمارين....

عاش معها خمس سنوات، فقط أنجبت له أبي وأعمامي الثلاثة لم تنجب فتاة... مرضت مرضا شديدا .... ماتت وتركته حزينا....

قالت: للأسف وهل تزوج بعدها

قال: لا ... لكن ليته فعل..

قالت: لماذا؟...

قال: أنت لا تكفين عن طرح الأسئلة...

قالت: وما وراءك؟ ونحن في هذا القفار...

في هذه اللحظات هتف السائق هدف هدف...

كان في الخارج يصرخ وهو يسمع المذياع...

هرولا إلى الخارج ... سمعا المذياع يقول: هدف لكن للأسف الهدف في شباك الفريق الوطني. لم يفهم السائق هذا إلا بعد أن رقص عدة رقصات للفرح.... كاد ينهار لما أخبرتْه الفتاة أن الهدف في مرمانا...سقط على الأرض... أما هما فاتجها نحو بضع الكثبان بجانب الطريق ... ليواصل المسكين حكايته..   

واصل حكاية جده وهو يمسك بيد الفتاة ويسيران على الكثبان: أحب جدي امرأة أخرى بعد جدتي كانت تشبهها كثيرا، رآها مرة في السوق فذُهل وتصوّر أن جدتي بُعثت من جديد، أرسل باحثا عنها فوجدها متزوجة.... خاف من الناس... مرض لأجلها ولزم الفراش أشهرا وكاد يهلك... جنون الحب لم يتوقف، فنتيجة لنفوذه وثروته دبّر سفرية لزوجها لبلاد الغربة ... وبقيت وحيدة لبضع أشهر، أرسل لها جدي رسلا لكنها رفضت الطلاق من زوجها المسافر وقبول جدي، مما زاد من حرقته... وبعد فترة اتضح أنها بالحمل ... طبعا لم يكن حملها من جدي... لكن الجميع متأكد أنه منه... أصابها الهلع والاكتئاب، وظلت كذلك حزينة، وهي تقول في نفسها أنه هو السبب ... وجدي لم يعد يدري ما العمل، وما يصنع أمام ما في بطنها وهو من زوجها المهاجر الذي لم يتمكنوا من الوصول إليه كي يخبر الجميع أنه الوالد... دون جدوى... ظلت أمورهما مضطربة إلى أن أنجبت مولودها، كانت بنتا جميلة جدا تشبهها تماما.... لكن للأسف ماتت المرأة التي أحبها جدي من قهرها ... أراد جدي أخذ البنت وتربيتها ليكفّر عن ذنبه، لكن خشي أن يتأكد الجميع أنها ابنته، لهذا قرّر أن يقوم بأغرب شيء قد يفعله رجل في القرية، ليثبت صدقه، ذهب لجد البنت الصغيرة وطلبها للزواج من ابنه البالغ من العمر السبع سنوات، وهي ابنة الشهرين، ودفع المهر وعُقد القران (التسمية) وذبحت الخراف... وافق جدها طبعا ليُبعد الشبهات عن ابنته الميتة.... كانت الطفلة أمي وصاحب السبع سنوات والدي رحمهما الله.... قصة عجيبة أليس كذلك زوّجها لابنه كي يُثبت للجميع أنها ليست ابنته، وظل طيلة حياته يكفّر عن ذنبه لأنه شعر أنه كان السبب في تشريد العائلة...
Reactions:
author-img
الأدب والفن التفاعلي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent