recent
أبحر معنا

رواية الزنزانة رقم 06- خطوة في الفراغ

خطوة في الفراغ


https://interactive010101.blogspot.com/2018/11/blog-post.html 
https://interactive010101.blogspot.com/2018/11/blog-post_19.html

خطوة في الفراغ
لم أعد أبالي بالزمن منذ رُميت في هذه الزنزانة بسبب تهمة لا أعرفها، كل ما أعرفه أنني أرسلت لابن عمي رسالة أطمئن فيها عليه، ورد بأنه بخير وسيُرسل لي مالا لأفتح مشروعا تجاريا باسمي ... ما أدراني أنه إرهابي في بلد خربي شقيق...
مرت الأيام والشهور وأنا هنا لم يتغيّر شيء سوى أنني أصبحت أكثر تعاونا بفضل صعقة الكهرباء تلك، منذ الأولى صرت أعرف قواعد اللعبة جيّدا وجدولي واضح المعالم يوميا... لا أستيقظ لأنني في كابوس دائم، حفظت كل جزء في الزنزانة الانفرادية، وجبة واحدة يوميا وقارورة ماء ... الألم متشابه ويتحوّل بمرور الزمن إلى شيء اعتيادي، ما يؤنسني في وحدتي الدائمة منفذ الهواء الوحيد في الزنزانة الذي يمرر أخبار الناس من السوق أسمعهم جميعا دون ان يتمكن أحد من سماعي كل الأخبار تصلني.. لا شيء تغيّر...
-         بدأ شعوري بالزمن يتلاشى كل الاتجاهات أصبحت ذاتها لا قبلة في زنزانتي... يبدو أن الإله فقد مكانه ... هل يمكن أن ننتخب الإله.. لا ديمقراطية في السماء... هذيان هذيان لمَ أتذكّر روائيا اسمه أنطونيو.. في هذه المحنة...كلما رأيت اللفافة بين الكتب أتذكر الكهرباء.. أصبح منعكسا شرطيا... اللعنة، لم أقرأها حتى الآن ... طالما تساءلت عما كُتب فيها ظلت اللفافة كالحلم بالنسبة لي هي معادِل للحرية وكأنني بقراءتها أفقد شيئا، إنني أخبئها عني لا أريدني أن أعرف أريدها أن تظل لغزا .... ربما هي ما يبقيني على قيد الحياة في الحبس الانفرادي .. فكرت في الانتحار مرات كثيرة لكن اللفافة أبقتني حيا إنها لغزي المحيّر تجعلني كالنبي الذي ينتظر رسالة من ربه ربما هي رسالتي... بدأت تراودني الهلوسات حول النبوّة.... لم أكن هكذا من قبل.. هل السجن يخرج ما فينا؟.... حتى الفتاة التي لم أحظ بلقائها نسيتها سريعا..هي كالحلم... يُقال إن المحن تجعلك تتذكر أمك وحبيبتك لكنني لم أتذكر أيا منهما ..أففف يبدو أنني ولد عاق.. ربما لأن أمي ماتت وأنا صغير وكرهت النساء من زوجة أبي، اااه ليتني لم آت بسيرتها كنت نسيتها مذ دخلت الجامعة كرهت البيت بسببها .. كانت لا تختلف عن الضبع .. أتحسس منذ صغري شبه الإنسان بالحيوان في الشكل هناك مثلا الكلب والقط والحصان والسنجاب ههه كان صديقي رمزي سنجابا مضى وقت طويل ربما هو الآن رجل أعمال في فرنسا هاجر مع من هاجر وربما مات وأكله الحوت...(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.04)
-         مرت أربعة أشهر لحيتي بلغت شبرا... صرت على صورة الإرهابي كما صدّروها لنا.... في السجن نتعلّم الكثير قرأت الكثير من الكتب ... قرأت كما لم اقرأ في حياتي أكثر من 100 كتاب؛ التاريخ ... السياسة الدين... تعلّمت الكثير... أحيانا أشعر أنه كان طوال الوقت شخص بداخلي ينتظر السجن ليخرج ويفاجئني، أصبحت أشعر بالسعادة ... لا شيء مهم في الخارج... أسمع أخبار المدينة من نافذة الزنزانة...... حوارات كثيرة تدور جميعها وتعود للثورة والمظاهرات في كل مكان الأوضاع سيئة على الجميع لكن الفساد باق ... المحزن أن البلاد تشتعل وكل الأزمات والتناقضات والسلبية مازالت معشّشة في قلب وطننا ... لا ثورة إلا إن ثرنا على أنفسنا... مازال بعض المسؤولين وعمال الإدارات يقبضون الرشوة كي يهضموا حق المسكين، من أغرب الحوارات التي سمعتها قول أحدهم "أخبر زوجتك أن تُحضر المبلغ كاملا لزوجتي وإن رأت النساء عندنا تتظاهر أنها تبارك لنا ذهابنا للعمرة ... ولما تأتيني للإدارة كأنك لا تعرفني ستجد الملف عند العون على أساس أن اللجنة صادقت عليه... تعرف الفوضى في كل مكان ولا وقت للاجتماع فقد ختمتُ بدلا عنهم وزدت صفرين فقط على الرقم... ههه تعلم أن الاصفار لا قيمة لها..." يضحك الآخر وهو يقول "بل قيمتها ملايين... " يبدو من الحوار أنها صفقة توريد أكل أو عتاد لإحدى الجهات...
وهذه امرأة تحاور أخرى تريد أن تأخذها للطالب (العرّاف) لتزويج ابنتها.... وهذه أخرى تحكي لبائع البصل ما تعانيه من أبنائها الأربعة وكل منهم في اتجاه وبلا عمل وهي من يعولهم من معاش أبيهم المرحوم... ورجل يتكلم بالهاتف مع صديقته ويخبرها أنه لا يمكنه أن يلتقي بها مجددا فزوجته عرفت بالأمر ويجب ألا تكلّمه مرة أخرى.. ومن ردوده يبدو أنها حامل منه... يطلب منها الإجهاض وهي تتمسك بالصغير... لو كنت طليقا لتبنّيْته أنا أحب الأطفال ثم لمَ لا يحيى ما ذنبه إن كان أبوه نذلا... يبدو أنني أصبحت أكثر رومانسية وإنسانية لم أكن هكذا قبلا... قصص الناس في السوق تنسيني محنتي منذ الفجر إلى صلاة المغرب والقصص لا تنتهي، بعض الأسماء والأصوات أصبحت مألوفة لي عمي رابح الخضار وعمار السراق ومصطفى الخيشة ههه أذكر أنني ضحكت كثيرا لما سمعت اسمه كان وقتها قد خرج لتوّه من السجن والكل يبارك له ويبدو من صوته أنه مدخّن...
ما لاحظته قلّة الفتيات في السوق فلا تصل حكاياتهن إلا عبر الباعة والعجائز... فهذه فتاة هربت مع شاب أثناء الغليان والفوضى وأخرى وجدوها مقتولة بعد اغتصابها وأخرى نشروا صورها على الفايسبوك وهي عارية بعد أن ضاع هاتفها... حكايات وحكايات لا تنتهي أحيانا أظل جالسا دون حراك لساعات وأفقد القدرة على السمع وأتوه في اللا زمان واللا مكان أظل لساعات حتى ينبهني الحارس... قد أصبح صديقي بعد صعقه لي بالكهرباء... ويبدو أنه المكلّف الوحيد بهذه الزنزانات تحت الأرض لا يغادر إلا ليوم أو أقل ويعود لتفقدي...كما أنني بلا جيران، فصوت الصدى يعم الرواق لا أصوات بشرية...  لم أعد أبالي بالسجن بدأت أتأقلم مع وضعي الجديد لم يعد العالم الخارجي مهما، شبعتُ من الحكايات وكأنني عشت حيوات كثيرة،  الأمر أصبح بالنسبة لي كالعيش على هامش الزمن كل شيء تساوى في نظري ... ربما هي بوادر الجنون أو هي تصورات صوفية ...هذا ما قرأته في بعض الكتب التي وجدتها في هذا المكان المربك ، أشعر أنني جزء منه الآن...لايتعدى ثلاثة أمتار طولا ومترين عرضا
 الزنزانة رقم 06- - prison cell No. 06


 الزنزانة رقم 06- - prison cell No. 06
 الزنزانة رقم 06- - prison cell No. 06


 الزنزانة رقم 06- - prison cell No. 06

تعبت من الانتظار، الموت لا يأتي مسرعا كما كنت أتوقّع، هو سيفتح أمامي فضاء الرحلة الجديدة أنا جد جبان لا أستطيع الانتحار ليس حبا في الحياة ولا خوفا من الموت لكن رغبة في اكتشاف الموت، ليأتي على طبيعته أريد أن أراه يدخل عليّ لا أريد فرضه على جسدي أنا ديمقراطي مع جسدي حتى في موته يجب أن يتم الأمر بشكل طبيعي كي أستشعر كياني المادي وهو يهوي إلى الأسفل وروحي تفيض وتنتقل بين العوالم... خفت كثيرا لما جلست يوما مع زكي ابن عمي وبعض أصدقائه من ذوي اللحى الطويلة أنا أشبههم الآن كانوا يتحدثون عن الله وغضبه وعقوباته ونيرانه وسلاسله، كان الأمر مروّعا وكأني في فلم أكشن تصوّرت الظلام وأنا أعذّب وأشوى .. لم ينقذني منهم سوى زيارتي لعمي سعيد الذي أذاب كل الثلج وكل التهويلات وأخبرني بأن الله نور .... افففف لا يهم أن أذكر كل شيء المهم أنه طمأنني ومنذ ذلك الوقت وأنا أحب الله أنا أكلّمه رغم أنني لا أصلي هو يحبني أعرف يختبر صبري، ربما سيطلب روحي قريبا سأسافر له سعيدا ومرتاحا فأنا لم أعرف النساء (من عرف النساء في دينه شك هذا ما قاله زكي) لذة المرأة من لذة القراءة قرأت ذلك مرّةً ولم يكن لي من منقذ في زنزانة الموت إلا القراءة لم أدرك يوما أني أحب القراءة بهذا الشكل قرأت كثيرا ... الشيء الوحيد الذي لم أجرؤ على فتحه إلى الآن هي اللفافة...إنها ما يبقيني على قيد الأمل يعتريني شعور غريب هذا اليوم لم أعد أكترث كثيرا لأحاديث السوق ولا لطعم الطعام الذي آكله فهو متشابه... أنظر إلى اللفافة بحذر لونها البني يغريني لكن ألم الكهرباء يُربكني، شعور متداخل ومضطرب شيء داخلي يلح عليّ بفتحها يداي ترتعشان ... منذ وجدتها مدفونة تحت السرير والحيرة تعتريني، ترى ما أمرها؟ تبدو كخريطة كنز، لعل صعقي بالكهرباء من طرف الحارس يوم جاءتني الحالة الهستيرية وارتباط ذلك بعثوري عليها منعني من الخوض فيها، هي مخبأة بين الكتب لا يظهر سوى طرفها... مضت شهور لمَ لا أفتحها قرار صعب لكنه سيكون البداية... بقيت مترددا إلى أن جاءت نقطة الانطلاق لما حضر الحارس على غير العادة ليُخبرني أنهم غيّروا الرئيس لكن الثورة فشلت كنت سعيدا لخبر فشل الثورة لأن لا ثورة إلا من عمق الإنسان والفوضى لا تلد إلا الفوضى، أفكار كثيرة تسرّبت لي من قراءاتي أشعر أنني أولد مرة أخرى ... انتابني شعور مختلط وأنا أعرف التطورات،هناك أمل بالخروج لكني فقدت القدرة على الحياة بين الناس، عرفت أنه قد يتم النظر في قضيتي لكن لم يكن الأمر بهذه الأهمية فالحياة تولد حيث نشعر أننا بشر وأنا هنا في كامل قوايَ الإنسانية.. صحيح ربما فقدت عقلي أو صرت غير طبيعي لكني أشعر بسعادة تشبه سعادة الموتى وهم ينتظرون البعث وقد تخلّصوا من عبء الأجساد... نعيش لنتألم ونستمتع بالمعاناة، هي الحياة ربما لأننا نضع هدفا من أجل الوصول، وهدفي أن أكون إنسانا فقط ولْتسقط كل الأقنعة ... بالنسبة لي تم اختصار المسافة لم تعد ماديات الحياة تغريني المال...المرأة... الأطفال... (..)... مسافر في عالم سرمدي لا حدود لأطرافه أحلق بعيدا علّني أجدني أخيرا بين الغيوم التي تشكّلت بفعل قُبَل العاشقين ... عليّ أن أشكر مارك ...


أفتح عينيّ بعد غياب عن الوجود دام دقائق، ربما ساعات، فلم يعد الزمن محددا بالنسبة لي، اختلط كل شيء... الرطوبة تغطي المكان بالكاد أستطيع التنفس، أشعر بتعب كبير يسكن كل مفاصلي.. 
ما فاجأني اليوم أني وجدت اللفافة بين يدي إنها تذكرني بالكهرباء، لا أدري كيف وصلت إلى يدي، فقد كنت غائبا عن الوعي، ربما تحوّلتُ فعلا إلى نسائم في الليل وعدت لصفتي الآدمية صباحا... يبدو أنني جننت... 

ما قصتك أيتها اللفافة، عليّ فتحها ومعرفة ما تحويه، لكن لو فتحتها فقدت بريقها ولم تعد تمثّل شيئا بالنسبة لي، روعة الأشياء في غموضها وجهلنا بها، لكنها لفافة ورق وليست امرأة، ربما هي رسالة من امرأة ... اففف يجب إدخال المرأة في كل شيء أمر مزعج.... أفتح رباطها مع أول صياح ديك اليوم..أوراق رثّة تمزّقت بعض أطرافها بفعل الزمن والرطوبة، الخط جميل يبدو أن صاحبه ينتمي إلى عصر غير الذي نعيشه اهتمامه بالحروف واضح صفحتها الأولى بلا عنوان ولا اسم
https://interactive010101.blogspot.com/2018/11/blog-post_15.html









إنها مذكرات معتقل كان قبلي تعود إلى أكثر من عشرين سنة ... يبدو أنها تزامنت مع الأحداث التي عرفتها البلاد في نهايات الثمانينيات أو منتصفها لا أدري كل الأزمنة اختلطت لدي، عموما كنت طفلا وقتها، لا أعرف عن هذه الاحداث سوى ما صبّه النظام في رؤوسنا، ولولا النت والفضائيات لما كنا عرفنا تاريخنا الحقيقي بكل ما يحمل من جنون... 
رجل غريب وحكايته أغرب، يبدو أنه رجل مهم لكن لمَ تم سجنه بسرية واعتبره أهله ميّتا... سأعرف حقيقتك أيها الغريب مثلي... 
https://interactive010101.blogspot.com/2018/11/blog-post_93.html


مضت ثلاث أسابيع، وأنا أحاول تجميع خيوط هذه الأوراق الثمانين وصلت إلى آخرها لكنها ليست كذلك، الحكاية لم تنته، للحكاية بقية، لا بدأ أن أجدها في الزنزانة ... أعدت القراءة أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت تفتح أمامي معاني جديدة، الرجل لم يكن يكتب مذكرات إنه تاريخ وشفرات ورسائل لمن يعثر على هذه الأوراق ... أشعر أنه يكلّمني إنه يحلم بوحدة، بقوة عربية بسلام لكنه سلام الأقوياء... إنه يفضح ويضع الأسماء والأحداث في سياقها... في الصفحة الأربعين تكلّم عن زيادات في أسعار المواد الأساسية وبيع بعض المصانع العمومية للخواص من أجل افلاسها لتضطر البلاد للاستيراد من الآخر بأضعاف الثمن وكل ذلك من أجل العمولة.... سماسرة أوغاد...


السوق يضج اليوم بحركة غير اعتيادية يبدو أنها عاشوراء ... بل هي مباراة كرة القدم بين فريقنا الوطني وفريق آخر من بلاد مجاورة الكل يتأهب وكأنها القيامة حتى أن السوق أقفل قبل العصر، الجميع غادر .... حتى الحارس لم يراقبني اليوم ... ماذا لو فزنا لن يحدث شيء هي مجرّد نشوة تخدير مؤقت لهزائمنا المتكررة، الشعب يمارس التغييب على ذاته، الأمر لا يختلف عن الماضي فصاحب مذكرات الألم هذه ذكر شيئا عن كرة القدم إن التاريخ يعيد نفسه أظنه كتب شيئا في الصفحات العشرين الأولى سأرى ما كتب ...
هاهي ( اليوم لقاء تاريخي بين فريقنا وفريق أوروبي لا بد أن يستثمر السياسيون الكثير؟ هل يجب أن نُدخل السياسة في كل شيء؛ الرياضة التعليم والدين والنساء... شيء مقرف أكيد سيقدّمون يوما عطلة رسمية مدفوعة الأجر، أصلا لا أجر فعلي لنا، فنحن لا ننتج شيئا هكذا أرادونا نستهلك فقط والكرة أفيونُنا الأمثل، لا أكاد أعرف منطقة في بلادي إلا ولها فريق ولا تتوانى في كرْه منطقة أخرى تنافسها ... أداة التفريق وفي الوقت ذاته أداة جمع الناس خلف الساسة، يكفي أن يدعموا الفريق ويغدقوا عليه بالأموال كي يجعلوا من الشعب تبّعا لفترة طويلة لا يطالبون بشيء .. لا قيمة للرياضة ونحن جياع...)..
كلامه محزن فعلا ما قيمة الرياضة ولا التعليم ولا أي نشاط نقوم به ونحن جياع في وطننا، وفي آخر الترتيب بين الدول رغم ما نملك من ثروات... إنه حزن مقيم، بل حزن مسافر...


Reactions:
author-img
الأدب والفن التفاعلي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent