recent
أبحر معنا

رواية الزنزانة رقم 06- Novel - Prison Cel No. 06 -تأشيرة إلى جهنم- أول خيط

أول خيط



دفنا أربعة شباب هذا المساء، ثلاثة منهم أخوة، انفجر بهم لغم في إحدى الشوارع من مخلفات الصراع، كانت جثثهم في أكياس دفناهم مع بعضهم، ذكّرني الأمر بعائلة دفناها قبل أسبوع كانت أجسامهم ملتحمة ببعضها بسبب إصابتهم بقذيفة في منزلهم، الأم والأب وولديهما كانوا ينامون على ذات السرير عندما أصابتهم القذيفة، ونتيجة لحرارتها التحمت أجسادهم دفناهم وهو يعانقون بعضهم ... إنها الحرب القذرة ملعونة هي وكل من يدعو لقتل أخيه ....
صرت أهرب من مشاهد الموت بتتبّع أحوال الناس التي تأتيني من كل مكان حتى من خارج المدينة يسألون عن كل شيء ويعتقدون أني بركة ويُسعدهم ذلك ... بعد دفننا للشباب الأربعة عدت للغرفة منهكا، وجدت امرأة تنتظرني كانت في الخمسينيات من عمرها، وما كدت أقترب منها حتى بدأت تقبّل يدي وأنا أتهرّب منها وهي تقول: بركتك يا شيخ جئتك لأمر ابنتي..
لما سمعت الصوت صُعقتُ، فقد تذكّرت صاحبته لم أصدّق أنها هي، تمعّنت في وجهها مرة أخرى ...سنين كثيرة غيّرت ملامحها لكن الجوهر باق ...أزحت بصري عنها كي لا تلاحظ من عيني أني أعرفها، إنها خالتي راضية بنت الصلاوي أم هند .... ياه كنت قد نسيتها أو تناسيتها، لم أرغب في تذكّرها كل هذه السنين، لدرجة أني حذفتها من الذاكرة ... لكن ما جاء بها إلى هنا، ومن تقصد بابنتها هل هي هند؟ ماذا جرى ياترى؟...
-         - تفضّلي ياخالة راضية...
-         فرحت وهي تقول: الله أكبر عرفت اسمي ...
-         قلت نعم وأي بناتك هل هي هند؟..
-         قالت وهي ترتجف: نعم نعم ياسيدي الشيخ إنها هي... جئتك لترى في أمرها ما عاد يأتيها الخطاب منذ سنوات ...
-         قلت ولمَ لم تزوجيها لما كان الخطاب يأتونها...
-         قالت كانت صغيرة..
-         قلت والآن أصبحت كبيرة...
-         قالت أخاف أن تصبح عانسا لدي، ولا أحد يتزوجها فقد تجاوزت الثلاثين...
-         قلت دراسة الفتاة وأموال عملها أفضل من الزواج..
-         قالت مرتبكة لا لا الزواج أفضل ثم هي الآن متوقفة عن العمل منذ سنة تقريبا منذ الفوضى التي حدثت... وأنا لا أريدها أن تعمل بعد الآن أريدها أن تتزوج...
-         قلت ستتزوج لما تعرف قيمة الحياة الزوجية والعشرة والتعاون، ولما تعرفين أنت أيضا أن سعادة الأبناء ليست في ابقائهم مع ذويهم بل منحهم فرصة التجربة وبناء حياة مستقلّة...
-         كانت كلماتي كالرصاص على مسامعها... لم تزد كلمة واحدة طأطأت رأسها وكأنها فهمت الرسالة ... وهي تنسحب من أمامي وأنا أتذكّر صديقي الوردي رحمه الله كان خطيب ابنتها انتحر شنقا بسببها...لا أدري ما يُبقيني حيا حتى الآن أغلب أصدقائي انتحروا و هاجروا.. أحبّ الوردي هندا كثيرا وخطبها وهي تدرس في الثانوية كان يقدّم لها ولأمها وأخوتها المال، وكأنه متزوج بها، لأكثر من سنتين، حضّر كل شيء أسبوع زواجه منها، ودعا أصدقاءه وذبح الذبائح ... لكن نتيجة الامتحانات النهائية في الثانوية كانت عقبة في طريقه، فقد نجحت هند وستصبح في الجامعة، وهنا تغيّر كل شيء في لحظة رفضت الأم الزواج وتبعتها هند بحجة فارق المستوى وأن البنت ستواصل دراستها الجامعية ... والأدهى من هذا كلّه لما تدخّل الكبار لحل النزاع اُتهم صديقي الوردي بأنه يعاني من الضعف الجنسي، ولم يكن كذلك، فقد قدّم الطبيب له وصفة لتقويته، لأنه يعاني من بعض الضعف بسبب قلبه، ولغباوته قدّم الوصفة لها فأخذتها ذريعة... وانتشر الخبر بسرعة أنه ليس رجلا ... أنا أعرفه جيدا كان طبيعيا... لم يطق البقاء وجدناه معلقا في حبل داخل غرفته التي أعدها للزواج... لم تحزن عليه بل العكس فرحت لأنها تخلّصت منه، وأكثر من ذلك وصلت بها الدناءة أن تطالب أمه بأن تعطيها نصف الميراث فقد ترك بعض المال في حسابه البنكي وكانت تعرف به.. بحجة أنه عقد العقد الشرعي.. لسوء حظها لم يجدوا شيئا في حسابه، فقد أخرج كل شيء قبل وفاته وفرّقه على المساكين من الحي، وكأنه يعرف القصة قبل موته.... مضت السنون وها هي روحه تلاحقك يا هند لن تتزوجي وستبقين كالبومة مع أمك تدفنان بعضكما البعض، وتموتان من الحسرة كل يوم، اللعنة عليكما...
دخلت الغرفة وأنا في قمة الغضب لا أعرف كيف تمالكت نفسي ولم أضرب تلك العجوز... وجدت عمي سعيد يمسك بورقة من المذكرات ويقول: أنا اشك في شيء هو خيط رفيع لكن ربما يوصلنا إلى نتيجة..
قلت متحمّسا: قل ما هو ...
قال: اسم الضاوية العجوز ليس غريبا عني فقلائل النساء بهذا الاسم عندنا ... وعبر ربطه بقوتها وجهادها في الماضي وحضورها القوي ربما تكون الضاوية بنت الجبلي... عجوز كنت أعرفها منذ زمن طويل كانت مشهورة بقوّتها وحزمها، عاشت على أطراف هذه المدينة، انتقلت لها من مدينة أخرى كانت تعيش وحيدة ولا يزورها إلا قلّة من أقاربها، عرفت قصّتها لما حفرت قبرها قبل أكثر من ربع قرن لم يحضر في جنازتها إلا القليل من الناس رغم أنها من المجاهدات، بلادنا لا تتبع جنازة العظماء الحقيقيين ...ربما تكون هي جدة صاحب المذكرات ...
قلت هل تعرف مكان القبر
قال لا أذكر المكان بالتحديد، فلم يزرها أحد، القبور المنسية تتلاشى بمرور الزمن ... علينا البحث ... كما سأبحث في سجلات المقبرة فأنا أدوّن كل من دخل ولم يخرج...
قلت نعم وهذا قد يساعدنا....
لم تكن عملية البحث في السجلات صعبة، فقد كانت مؤرّخة .. في 05 أكتوبر 1988 توفيّت الضاوية بن الجبالي المولودة خلال 1908 حسب ما صرّح به ابنها عبد الرحمن العزيزي أو العزيري لا أدري... المهم هذا أول خيط لي ....

العودة
Reactions:
author-img
الأدب والفن التفاعلي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent