recent
أبحر معنا

مقبرة الأحياء

مقبرة الأحياء




سرت إلى الجهة الجنوبية حيث المقبرة الشاسعة، منظرها من أعلى التلة يبدو مهيبا، حفر كثيرة، إنها تستعد لابتلاع المزيد، وحفر أكبر تبدو كآثار القنابل، إنها الحرب لا يسلم منها حتى الأموات ... السور الشرقي للمقبرة محطّم بشكل تام..
 تجاوزت الحجارة وسرت بين القبور، وأنا أحيي الأموات، كانوا هادئين جدا لا يصدرون أي صوت، لا تسمع عندهم إلا صوت الرياح تجوب بين شواهدهم من خلال الحشائش الصفراء على القبور، يبدو أن المطر لم ينزل منذ فترة، تقدّمت إلى الطرف الآخرمن المقبرة حيث أجد غرفة الحارس ... كان جالسا يرقبني ولحيته البيضاء تغطي صدره، ينظر إليّ ويبتسم، وأنا أشق طريقي بين القبور المتراصة، أزمة السكن وصلت إلى المقبرة، وقفت أمامه برفع رأسه وقال وكأنه ينتظرني منذ زمن: أكنْت ميّتا وأفقت يا مراد..


تعجّبت كيف عرفني مباشرة، فبعض أصدقائي التقيتهم ولم يعرفني منهم أحد، ابتسمت بوجهه وقلت: كنت شبْه ميّت.. لكن كيف عرفتني وأنا على هذا الحال؟.

قال: أنا لا أنظر للجسد بل إلى العينين وما يخفيان من روح، روحك مشعّة منذ كنا نلتقي في هذه الغرفة الصغيرة... ماذا جرى لك اختفيت فجأة سألت عنك كل أصدقائك..

قلت: قصة طويلة بدأت من بعض الرسائل عبر الفايس بوك وصلتني من ابن عمي زكي وهو في البلاد العربية المشتعلة، وأخبرني أنه سيرسل لي مالا كي أفتح مشروعا، ولم أكن أعرف أن النظام يراقبني بسببه، فتم اعتقالي في سرية، ولم يحقق معي أحد، ظللت في الزنزانة في إحدى الثكنات السرية في المدينة وكدت أموت لولا دخول الثوار وإخراجي...

قال: كُتب لك عمر جديد ... على حد علمي أنت لا علاقة لك بأصحاب الفكر ولا رأي محدّد لك..

قلت: هذه حقيقة ولولا حاجتي لما تواصلت مع ابن عمي... لكنه مكتوب ...

قال: وما تحاول فعله، لماذا بقيت على هذه الحال؟ يمكنك العودة لشخصيتك الأولى فلا وجود للنظام في المدينة الآن..

قلت: فكّرت بالعودة منذ خروجي، لكن في ظل هذه الظروف أفضل البقاء على ما أنا عليه، فشخصيتي الجديدة تساعدني على التنقّل بحرية كما تمنحني إمكانات حرة في عدم التخندق... كذلك مراد القديم سلبي لا أريد العودة إليه مرة أخرى ... أنا مجهول في الماضي وسأظل كذلك...

قال: أنت أدرى بما تريد، المهم حاول ألا تُكثر الحركة، فالثوار بينهم انقسامات وقد يتهمونك بالجوسسة ...

قلت: فكّرت في ذلك أيضا لهذا أريد الاستقرار في مكان ما..

قال: يمكنك البقاء في المقبرة هي أفضل مكان هذه الأيام، رغم ما يصلها من قذائف لكنها مأوى المحتاج من الأحياء والأموات...

قلت: أنا شاكر لك تحمّلتني بعقلي وأنت تأويني الآن وأنا أشبه بالمجنون..

قال: لا تقل هذا أنت ستأنسني في وحدتي ... رحل عني الجميع ولديّ ماتا وأمهما بعدهما أنا وحيد...

قلت: رحمهم الله جميعا ستجدهم في جنة الخلد...

قال: آمين ولعلك أنت من سيدفنني بعد موتي

قلت: أرجو لك طول العمر يارب

قال: لكني سأموت في النهاية... وأعتقد أنك صاحب الرؤيا التي رأيتها ..

قلت مستغربا: وما رأيت؟

قال: رجل يخرج بين القبور في جيبه الأمل يمسكني من يدي ويسلمّني للسماء، ودّعني ليحمل مكاني في الغرفة...

قلت مبتسما: وهل تظنني هذا الرسول وأي أمل هذا..

ثم تسمّرت في مكاني لما تذكّرت المذكرات التي أحملها تحت قميصي أتراها هي الأمل ...

لم أخبره بشيء، فقط ابتسمت في وجهه ... جلسنا طويلا إلى أن حل الليل..استغرب بشدة في أنهم لم يُحضروا أي أحد للدفن خلال المساء...

قلت مازحا له يبدو أنهم وجدوا مقابر أخرى.

قال: فعلا فقد سمعت أنهم يدفنون البعض في الساحات في الضاحية الغربية لأنهم متصارعون مع الضاحية الشرقية والجنوبية، ولا يمكنهم الحضور إلينا، فالطريق الأقصر إلى المقبرة تمر بهما...
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.25)

العودة
Reactions:
author-img
الأدب والفن التفاعلي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent